الاثنين، 4 نوفمبر 2013

العزف في حضرة البارونة

كانت تضحك من قلبها لأول مرة منذ زمن بعيد وهي تعتلي سلالم المسرح. انتبهت فوجدته هناك جالساً يعزف على البيانو غير آبه بالعالم وما فيه، فاقتربت منه ووضعت الحقيبة السوداء التي تحمل بها التشيللو ثم وضعت يدها على ظهرها وكأنها انتبهت للتو كم كان ثقيلاً. وانتبه هو بدوره لقدومها وسألها عن سر السعادة الغامرة، فأجابت مترددة:
- لا شيء.. سعيدة بدون سبب..لست سعيدة.. كان البارحة يوماً حافلاً
- حافلاً؟
قالت مسرعة: عزفت كثيراً، فسألها باستعجاب: في البيت؟
 فردت: بالطبع لا........أمجد، هل لي أن أخبرك بسر ولا تخبر أحداً...أبداً... مهما حدث.

-          هل سبق وأن أفشيت لك سراً
-          لا.. أنا فقط خائفة...وتابعت مسرعة قبل أن تتردد مجدداً: أنا أذهب للقصر منذ مدة وأعزف هناك
-          أي قصر؟
-          قصر البارون
ضحك ضحكاً هستيريا وقال: أتعزفين داخله أم خارجه، ردت منزعجة: خارجه... فيما عدا البارحة.. أمجد أعلم أنك لا تصدقني لكني هذه هي الحقيقة. منذ شهر تقريباً وأنا أهرب في الليل من البيت وأذهب إلى قصر البارون وأعزف هناك و................... أرجوك أوعدني مجدداً ألا تخبر أحداً. فقال لها ويبدو أن صبره بدأ ينفذ: أوعدك يا نغم لكن تحدثي.. قولي ماذا حدث. نظرت حولها لتتأكد أنهما بمفردهما "في كل مرة أعزف .. كنت أسمع صوت حركة ولكن ليست عنيفة كما يُروى لنا، وفي إحدى المرات أضاء النور ولكنه سرعان ما أنطفأ... كل ذلك ليس مهم، لم أكترث وقلت لنفسي "تهيؤات"، لكن في هذه المرة، ظهرت لي أمرأة غاية في الجمال وكانت ترتدي فستاناً يبدو باهظاً ولكنه قديم جداً وكان محتشماُ .. اسمها "هيلانة".."هيلانة إمبان" شقيقة البارون كهذا أخبرتني بعد أن اقتربت مني مبتسمة وحينها توقفت عن العزف .. فطلبت مني ألا أتوقف وقالت أنها تحب عزفي كثيرا وشكرتني لأنها تشعر بالوحدة.
"نغم، نغم، نغم" .. ناداها بنغمات متصاعدة ليقاطعها "لا بد أن هذا من نسج خيالك، إنك تعزفين في مثل هذا المكان، لابد أن عقلك الباطن يختلق بعض القصص ولكنها خيال. نظرت له نظرة بائسة ثم قالت: "هذه ليس المرة الوحيدة التي أراها فيها. ذهبت بعد ذلك أكثر من مرة وكانت تنتظر حتى أصدر بصوتي نغمات تتماشى مع اللحن ثم تخرج وأخبرتني أنها تحب هذا الجزء بالتحديد. فتغنيت باسمها مع متابعة العزف وحينها اقتربت مني وعانقتني، وشعرت بها. أقسم لك شعرت بها، وشممت رأئحة عطرها التي لم أشم في روعته  في حياتي كلها. وأخبرتني عن أخاها الظالم كما أخبرتها عن أبي وكيف يمنعني من ممارسة هوايتي المفضلة وحينها أمسكت ذراعي بقوة وقالت أنه عليّ أن أتمسك بما أريد بقوة وأن مثل هؤلاء الرجال يتحكمون بنا لأنهم فشلوا في تحقيق الحياة التي يتمنونها، فيحرموننا منها بالمثل. وأكثر ما أذكره هو عيناها الدامعتين.

إنه لا يصدقها .. هكذا فهمت من تعبيرات وجهه، فأخذت نفساً طويلاً وقالت: البارحة.. رأيت القصر من الداخل، فضحك مستهزئاً وكيف دخلتي، "هل قفزتي مع البارونة من فوق السور؟". "بالطبع لا" ردت عليه وهي تنظر للسقف، "كان معها مفتاحاً، وكان القصر رائعاً، لكن ما كان أروع هو عزفها على البيانو، فقد عزفنا معنا "- Faure Elegie". ولهذا السبب لم أنم ليلة أمس ولهذا السبب أنا سعيدة حتى وإن لم تصدقني.
*******

كانت غاضبة أكثر من أي وقت مضى وهي تعتلي سلالم المسرح هذه المرة. وعندما رأت أمجد صاحت:
-          أمجد، هل أخبرت أحداً؟
-          بشأن ماذا.. القصر؟.... لا.. لم أفعل
-          بلى فعلت، أعرفك عندما تكذب، لماذا فعلت ذلك....هيلانة غاضبة مني.. هيلانة لم تعد تأتي
-          نغم، لا بد أنها أوهام. لقد ذهب مع ثريا وعزفنا هناك ولم يحدث أي شيء .. لم يظهر أحد على الإطلاق
-          هذا هو السبب إذن، لهذا لم تعد تظهر. إنه اقتراح ثريا، أليس كذلك؟.... ثريا الخبيثة هي تكرهني.. أمجد لا أريد أن أراك ثانية أنت دمرت أجمل شيء بحياتي
-          إنها أوهام
-          أنت لا تعرف شيئاً

رحلت نغم مستشيطة غضباً وهي تعيش لحظة الذروة من دراما حياتها والدموع تملأ وجهها. وزارت القصر كل يوم .. الليلة تلو أخرى وعزفت كل الألحان التي تعرفها وتغنت باسم هيلانة ولكنها لم تغفر لها.. أبداً

ألقت نغم نظرة أخيرة على القصر من نافذة السيارة المتوجهة إلى مشفى الأمراض النفسية والعصبية بناء على رغبة أبيها بعد أن عرف القصة من أمجد، كانت تطل منها بملامحها المرهقة ووجها الشاحب ونظرت في يأس إلى نافذة الغرفة لعل هيلانة تطل منها وتودعها لمرة أخيرة.... ولكنها لم تفعل.

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

Harvesting Rotten Crops

Disappointments in moments of Victory;
Gloominess in moments of Happiness;
Loneliness among crowds of people.
Needing to be listened to, but no would do;
they won't understand, and 
how would they, while
I, myself, not do.


الاثنين، 14 أكتوبر 2013

مرايتي

كتبت لتوي على موقع إضاعة الوقت (بالنسبة للعرب ومن لا شغلة له) الأشهر في العالم: "and suddenly .. got lost" ولا تسألني ماذا أقصد.. فلست متأكدة إني جاهزة بإجابة مقنعة. ولكني شعرت بالملل وببعض الضيق فكتبت ما دار بخاطري وكانت هذه العبارة.

عذراً .. لست ممن يجيبون بإجابات كاملة من أول وهلة .. أحتاج بعض التفكير والترتيب .. نعم، أعلم السبب ولكنه ليس سبب واضح للضيق أو الشعور بالضياع أو إنه شديد العمق شديد لدرجة تدفعنا لتجاهله. ماذا أفعل بحياتي؟ ماذا فعلت حتى الآن؟ والأهم .. ماذا سأفعل؟ ...لا لا لا رجاءً توقف.. فأنا سرعان ما أشعر بالضجر من العبارات النظرية الساحرة ثم أكفر بها حتى إن آمنت بها للحظات. رجاءً أعذرني أعلم أن نواياك طيبة ولكني أملي هذه العبارات على نفسي مراراً وتكراراً .. لها مفعول رائع ولكنه وقتي.. صدقني وقتي لدرجة تجعلك ترتعب من تكراره.

يدفعني مثل هذا الشعور دفعاً إلى منطقة أكثر عمقاً، وبالتالي ارتعب مثلما ترتعب معظم الفتيات عند رؤية كلاب الشوارع؛ هي ذلك الجزء غير الملموس بداخلنا الذي يبدو شائكاً وإن كان ملمسه غير شائك لكن مجرد التفكير بلمسه سرعان ما يدفعنا بعيداً. ماذا.. هل أتفلسف؟؟ أحياناً يحلو لي تعقيد الأمور .. ربما لأن ذلك أسهل من تبسيطها.. فتبسيطها سيدفعني مجدداً إلى تلك المنطقة الشائكة.. ممم، أظنك تريد أن تعرف ما أقصد من تلك اللوغريتمات .. إنه هذا السؤال الوجودي.. من أكون؟ ما هي طبيعة تلك النفس التي تسكن هذا الجسد؟ لماذا خُلقت أو وُجدت؟ وما الذي يميزني عن غيري؟ وهل أنا مميزة من الأساس؟ .... وأكثر ما أخشاه هو خداعي ذاتي؛ أي أن أضع نفسي في قالب أحبه لكنه ليس لي أو صُمم لغيري أو على يد غيري.

أتعلم! ترن بأذني الآن الأغنية التي تجعل عيناي تدمعان ولا أعلم لماذا ... مرايتي يا مرايتي.. راح أحكيلك حكايتي.. قوليلي أنا مين ..أنت انا وأنا أنت مما كبرتي وأتغيرتي بعيوني انت الساكنة ..يا مرايتي......



الأحد، 9 يونيو 2013

مصطفى محمود...اسم على مسمى


لو أن للإنسان نصيب من اسمه، فلمصطفى محمود الحظ الأوفر. فقد اصطفاه الله من بين أبناء جيله بالعلم والفسلفة ليتأمل دينه ويفسر قرآنه متسلحاً العلم فيمزج بين العلم والفلسفة والمادة القرآنية ويقدمها في أسلوب سلس مستساغ دون تكلف..إنها العبقرية ذاتها يا حضرات. وكذلك اصطفاه قرائه من بين جميع الكتاب ليكون مرجعهم وملجأهم .. ولم لا .. فهو  أول من أخذ بأيديهم للغوص في الأمور الشائكة.
ولاشك إنه محمود.. فمن من منا لا ييجله ويقدره ويدين له بالكثير والكثير من العلم ومن منا لا يحمل بصمة منه سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

 اسم لا يتحدث عن ذاته فحسب بل يقف ويتأمل ويتفكر تماماً كصاحبه، اسم تشتاق له القلوب وتتحير معه العقول.

السبت، 8 يونيو 2013

السيدة


وقفت تنتظر هذا القطار السريع الذي يطلقون عليه "المترو" حتى جاء محضراً معه نسمة لطيفة رسمت الابتسامة على وجهها الضئيل، فانفتح الباب أمامها وصعدت وبدأت الجموع تنظر في تقزز إلى ثيابها الرثة وهيئتها المتسخة وشعرها الغاضب وأظافرها الطويلة المائلة للسواد حتى وجدت مقعداً فارغاً أخيراً فجلست في براءة لتصتدم بنظرات من حولها إليها وكأن ثمة شيء خطأ بمظهرها... وتلك السيدة ذات الحجاب الأزرق لماذا تبتعد عني كذلك كأنني حشرة مقرفة ولما تضع وشاحها على أنفها... ألا تعجبها رائحة عطري..لا بأس فلا تعجبني رائحة عطرتها ولون وشاحها لا يناسب ردائها ولكنها لماذا تنظر إليّ هكذا..لماذا ينظرون إلى هكذا .....
أخذت تضع يدها على رأسها وتحسس شعرها ...نعم! هذا هو السبب حجابي لا يغطي كامل شعري .. كما إنه ليس مهذباً بالكامل.. سأعيد ربطه الآن ........... الأن أبدو أفضل ... ولكنهم لا يتوقفون عن نظراتهم لماذا تنظر باشمزاز هذه المرأة وأيضاُ تلك لم تشفق عليّ هكذا...... الحمد الله ها قد وصلت .."محطة السيدة زينب".. سأنزل الآن

كم تعبت اليوم.. أشعر بالجوع... ولكني سأنتظره... سأتيني.. يوماً ما سيأتيني وسيعتذر لي عن فعلته ويقبل رأسي ويعيدني لبيتي معززة مكرمة... ولكنه تأخر ... لعله يخجل مني ... لعله يعلم اني اسامحه ... لا ليس تماماً إنه رفع يده وضربني وطردني وأهانني وأذلني.. هو ابني .. حبيبي، هل أفسدته بالدلال كما يقول أبوه! لا .. بالطبع لا .. الحنان لا يقسي القلوب أبداً.. إنه المسئول .. وحده هو المسئول .. هو أساء معاملتنا معاً... هو من علمه الكره ..لا ..لا ابني لا يكره.. سيأتي ويرجع عن خطأه.. هو ابني حبيبي.

يقبل العسكري ويقترب منها .." يا حاجة.. امشي من هنا.. دي منطقة وزارات ومصالح حكومية.. امشي من هنا بدل ما حد يضايقك.. روحي أي جنينة" فترد عليه بكلمات غير مسموعة "بس ..بس..ابني هيجي هنا هو يعرف مكاني هنا..ازاي تتكلم كده مع الناس المحترمين.." يتركها العسكري ولسان حاله "وأنا مالي بكره ييجوا يمرمطوها" أما سيدة "الشارع" لا تتوقف عن التفوه بكلمات غير مسموعة: سيأتي لا محالة .. سيأتي في النهاية مهما طال انتظاره."